هذه هي خيارات القاضي بيطار حول الحصانات
اتّخذت قضية رفع الحصانات التي طلبها المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق البيطار، سجالًا حادًا في البلاد، خاصة بعد اصطدامها برفض فعليّ غير معلن من قبل لجنة الإدارة والعدل وهيئة مكتب المجلس النيابي تحت عنوان طلب المزيد من الأدلة، وهو ما يفتقد إلى النص الواضح له، ما دفع بأهالي ضحايا الكارثة إلى رفع الصرخة وتوعد المسؤولين عن عدم رفع الحصانة عن السياسيين والأمنيين في القضية.
وبعيدًا عن اتّهامات معتادة في قضايا كهذه، يطرح كثيرون ماهية الخيارات التي يملكها القاضي بيطار، خصوصًا أنّه ووجه بجبهة قوية ذات خلفيات سياسية عميقة لطلباته.
من ناحيته، يرفض الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي د. عادل يمين، إبداء رأيه في الموضوع كون الدعوى عالقة أمام القضاء ولكنّه يوضح المبادىء العامة والأصول الدستورية والقانونية التي تحكم مسألة الحصانات في صورة عامة، وبصرف النظر عن دعوى المرفأ بالذات.
ويلفت النظر في هذا السياق إلى أنّه بحسب أحكام المادة 40 من الدستور، هناك حصانة إجرائية ونسبية ومؤقتة تمنع ملاحقة النائب جزائيًا خلال دورات انعقاد المجلس ما عدا حالة الجرم المشهود، وهذه الحصانة تختلف عن الحصانة المطلقة المنصوص عليها في المادة 39 من الدستور والتي تتحدث عن عدم جواز إقامة دعوى جزائية على أيّ عضو في البرلمان بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدّة نيابته، وهي معروفة بحصانة القول سواء داخل أو خارج دورات الانعقاد.
أمّا الحالة التي نحن في صددها، فيشير يمين إلى أنّنا في دورة انعقاد حكمية للبرلمان عملًا بأحكام المادة 69 من الدستور بسبب استقالة الحكومة، الأمر الذي يقود إلى القول إنّ أيّ ملاحقة جزائية بحق أيّ نائب خارج جريمة القول وخارج الجرم المشهود تستوجب في هذه المرحلة الحصول مسبقًا على إذن المجلس النيابي. ويوضح بأنّه استنادًا إلى المادة 89 من النظام الداخلي للمجلس، فإنّ مبدأ الحصانة النيابية متعلق بالالتزام العام، الأمر الذي يعني أنّ ليس في إمكان النائب التنازل عنه. وبحسب أحكام المادة 91 من النظام الداخلي للمجلس النيابي يقدم طلب الإذن بالملاحقة وزير العدل مرفقًا بمذكرة من النائب العام لدى محكمة التمييز، تشتمل على نوع الجرم وزمان ومكان ارتكابه وعلى خلاصة عن الأدلة التي تستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة.
على أنّه واستنادًا إلى المادة 92 من النظام ذاته، حسب يمين، يقدم طلب رفع الحصانة إلى رئيس المجلس النيابي الذي يدعو هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل إلى جلسة مشتركة لدرس الطلب، وعلى هذه الهيئة تقديم تقرير بشأنه في مهلة أقصاها أسبوعان.
واستنادًا إلى المادة 93 من النظام الداخلي، اذا لم تقدم الهيئة المشتركة تقريرها في المهلة المعيّنة، وجب على رئاسة البرلمان إعطاء علم بذلك إلى المجلس في أوّل جلس يعقدها ويكون للمجلس النيابي أن يقرّر منح الهيئة المشتركة مهلة إضافية بالقدر الذي يراه كافيًا، أو وضع يده على الطلب والبت به مباشرة.
لا نص نيابي على أدلة إضافية
ويلاحظ يمين بأنّ ليس في أحكام النظام الداخلي ما يتعلّق بطلب لجنة الإدارة العدل وهيئة مكتب المجلس النيابي أدلّة إضافية، إنّما يفترض على الهيئة المشتركة أن تضع تقريرها مع تضمينه ما توفر من معطيات وأدلّة وترفعه إلى الهيئة العامة التي يعود لها إمّا رفع الحصانة أو رفض الطلب، ولكن ليس من نصوص ترعى تبادل الرسائل والطلبات بين القضاء والبرلمان في الخصوص المبحوث.
ويعود إلى الهيئة المشتركة والمجلس واستنادًا إلى المادة 98 من النظام الداخلي عند درس ومناقشة طلب رفع الحصانة، تقدير جديّة الملاحقة والتأكد من أنّ الطلب بعيد عن الغايات الحزبية والسياسية ولا يستهدف حرمان النائب من ممارسة عمله النيابي.
ويُلفت النظر إلى أنّه خارج دورات الانعقاد لا يحتاج القضاء إلى طلب الإذن لملاحقة النائب جزائيًا في كلّ ما يخرج عن جرائم القول التي يتمتع النائب بإزائها بحصانة دائمة ومطلقة وغير قابلة للتعليق او للرفع.
حول موظفي الدولة
ويضيف الخبير الدستوري أنّه في ما يتعلق بالحصانة الوظيفية وبصرف النظر عن أيّ دعوى معينة، وبحسب المبادىء العامة وفي ما خص جميع الدعاوى واستنادًا إلى قانون نظام الموظفين، فإذا كان الجرم ناشئًا عن الوظيفة فلا تجوز الملاحقة جزائيًا إلّا بناء على موافقة الإدارة التي ينتمي إليها.
وتتقدم النيابة العام من المرجع المختص المحدّد قانونًا بطلب لأخذ موافقته على ملاحقة الموظف مرفقًا بالملف، وعلم المرجع المختص أن يبتّ بالطلب عبر قرار معلّل خلال مهلة 15 يوم عمل تلي ورود الطلب إلى الإدارة.
ويشير إلى انّ انقضاء المهلة من دون البت به تعتبر موافقة ضمنية عليه، وأنّ قرار المرجع المختص القاضي بمنح الإذن بالملاحقة لا يقبل أي طريق من طرق الطعن. ويوضح بأنّه إذا رفض المرجع المختص طلب النيابة العامة بإعطاء الإذن بالملاحقة، جاز للنيابة العامة في مهلة 15 يومًا من تبلغها قرار الرفض عرض الأمر على النائب العام لدى محكمة التمييز الذي يبت به بقرار معلّل يبلّغ إلى المعنيين ضمن مهلة مماثلة، ويعتبر انقضاء هذه المهلة من دون البت بالموافقة موافقة ضمنية على الملاحقة.
هنا تبدو بليغة إشارة القاضي بيطار، إن صحّت، في حديثه الصحافي إلى محكمة الرأي العام. وثمّة تشديد من قبل الخبراء على سريّة التحقيقات وعدم القدرة على تقييم مدى شمولية الاستدعاءات وصوابيّتها في شكل جديّ، إلّا مع صدور القرار الظني الذي يفترض أن يتضمن الرواية الكاملة لما حدث، وإن كانت خطوات بيطار شجاعة وجديّة، وبذلك إن أتت الرواية متماسكة ومدعمة بالأدلّة وأظهرت شمولية وإحاطة كاملة بالقضية، يكون القرار مقنعًا للرأي العام.
عمار نعمة